الزمن لا يغير أحد و لا يبدل الطباع و إنما يظهرها على حقيقتها بأن يضعنا في الظروف الملائمة فنرى أنفسنا علي طبيعتها و إذا ما كنا نثبت على مبادئنا و نتمسك بمثالياتنا أم لا. كذلك نرى أحمد العاشق و البلطجي ؛ فهو إن كان قد كف عن نزواته القديمة و لعبه بالبيضة و الحجر فذلك لعشقه لرباب و طلبها منه أن يتغير. فقد عادا كلاهما من شهر العسل و كانت ثورة الخامس و العشرين من يناير قد قامت و ساءت الأوضاع الاقتصادية و أغلقت كثير من الشركات أبوابها و كان قد انقضى على زواج احمد و رباب عام و نصف حملت رباب فيها ثم أسقطت جنينها سهواً و أفلست الشركة التي يعمل فيها زوجها فساءت أحوالهما! كذلك حزنت رباب بشدة على فقد أمها على أثر حادثة و كذلك على أحمد زوجها وهو الذي عاد لصفة البلطجة من جديد وراح يفض المظاهرات و يؤجر البلطجية من أجل المال فصرخت فيه رباب: أحمد..مش معقول اللي بتعمله ده…دا بدل ما تكون مع الشباب..قوم تقتلتهم…..احمد بنبرة صارمة: حبيبتي دول خونة عاوزين يوقعوا البلد…..رباب بدمعة: بس أنت بلطجي بتمسك سيف و سنجة…انت مش كدا يا أحمد…
مل أحمد مثاليات رباب وهمس: روبي يا حبيبتي…أكل العيش كدا…وبعدين أنتشي مش ناقصك حاجة…كل اللي بتطلبيه بيبقى تحت رجليكي …….رباب تصرخ: ملعون أبو أكل العيش اللي بالبلطجة… أنا شفتك في الشارع بعيني و أنت بتضرب بالسيف!! أحنا مش كدا يا أحمد…. أحمد بصرخة: يوووووه…كفاية بقى…أنا كدة يا رباب..و أن كان عاجبك….دي مش عيشة….رباب دهشة: أحمد ايه اللي بتقوله ده….!!! أحمد مشيحاً بوجهه : اسكتي بقى بلا أحمد بلا زفت….رباب و دمعتها فوق خدها:طيب أنا سيبالك البيت و ماشية… لما تنضف أبقى مراتك… أحمد زاعقاً: في ستين داهية الباب يفوت جمل….رتبت رباب حقيبة ملابسها سريعاً و صفقت الباب خلفها و دموعها تسيل فوق خديها لتقصد بيت أبيها و كان شقيقها وليد بمفرده فيه. ليلة و أخرى و رباب تبكي تناجي نفسها” كدا يا أحمدسيبتين يا أحمد…!! مبقتش أحمد العاشق اللي بتحبني بقيت أحمد البلطجي اللي يكون سبب في قتل الناس…!! لم يحتمل أحمد شقته بدون رباب فهو العاشق القديم فقصد كذلك بيت والدته و كانت شقيقته ميرنا قد تزوجت و رحل والده ولم تبقى سوى أمه.
أطلت رباب من شرفة بيت أبيها لترتاع و تجد أحمد قد وقف يتطوح عاري الصدر عاري الزراعين المفتولتين طويل الشعر مسترسلة فوق كتفيه العريضين و بيده السيف وهو يشهره عالياً في الهواء ينادي بأعلي صوته: نزلي العرس اللي عندك يا رباب…. نزليه يواجهني راجل لراجل…. نزليه يا متناكة…. كان أحمد هائجا مسود الجفنين من قلة النوم محمر العينين هائج الأعصاب كالأسد المطعون في كرامته.راحت رباب تختنق بدموعها و ترى نفسها مظلومة و ليس عندها من عشيق! همست قبل أن تقفل شيش نافذتها: أحمد ضاع…ضاع…فينك يا ماما! ثم أفاقت تنتفض من كابوسها الذي كاد يقضي عليها وهي تبكي!! كان كابوساً مفزعاً لم تذق رباب بعد الثالثة فجراً طعماً للنوم بعده! نعم كابوس ثقيل إذ قد نامت رباب في ثاني للية من هجر أحمد لها لا ترقأ لها دمعة و تتمنى لو لم ترحل أمها لتقف إلى جوارها! في ثالث ليلة اتصل أحمد برباب فلم تجبه فأتاها في بيت أبيها ففتح له وليد و رحب به و داعبه: و أنت كمان يا سي وليد بتتظاهر هههه….رباب فين…وليد بحياد: رباب جوة…انت عملت فيها أيه…احمد يداعبه: ملكش دعوة دي مراتي و حبيبتي…لما تتجوز هتعرف…ابتسم وليد و دخل أحمد وقد ولته رباب ظهرها فنادها: رباب..سامحيني بقى…عقدت زراعيها ولم تنطق فالتصق بها من الخلف يقبل وجهها فبكت رباب فهمس في أذنها: خلاص يا حبيبتي..هنسافر…هنسيب مصر و هنروح الخليج …هست رباب: بجد يا أحمد…يعني هتبطل بطلجة…أحمد زاماً شفتيه: مع أني دي وطنية و خوف عالبلد …بس ماشي..عشان خاطرك هبطل…..انتصر أحمد العاشق على احمد البلطجي و حسم أمره أن يسافر و رباب. بالفعل لم يمض أسبوعين حتى كانا في السعودية يعمل فيها أحمد محاسباً في شركة تجارية مرموقة وقد استأجر لها شقة صغيرة مكونة من غرفتين نوم ومطبخ صغير وصالة مفتوحة و غرفة ضيوف استقبال وأيضا الصالة وبها تلفاز و بها قطع أثاث متواضعة. مر عام و نصف العام على ذلك الوضع المستقر فرباب ربة منزل جميلة شاطرة و أحمد يعمل بجد ويعود لبيته فتطعمه ما لذ و طاب ثم بأيام العطلة يخرجا سوياً في جولة بالسيارة او يتسوقا في المجمعات التجارية منها للتسلية ومنها لشراء حاجات البيت! كذلك تعرفت ر باب خلال ذلك إلى ى صديقات كن يزرنها في غياب أحمد منهن صديقتها نوال السورية التي تحبها جداً و ترتاح إليها و تشاركها أسرارها و خاصة أنها تعيش مثل ظروفها إذ يقضي زوجها معظم وقته بالعمل! إلا أن الحال لم يدم و أتت الرياح بما لم تشتهي السفن إذ واجهت الشركة التي يعمل بها أحمد صعوبات مادية بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية للشركة في ظل انخفاض أسعار النفط مما أدى بها إلى أن أفلست و أغلقت أبوابها!