لا شك أن المرأة -وبخاصة في عالمنا العربي- تواجه العديد من التحديات بعد الطلاق، وعلى الرغم من ارتفاع معدلات الطلاق، إلا أن بعض القضايا الشائكة المتعلقة به لا تزال مُهملة أو مسكوت عنها، ومنها الاحتياج العاطفي والجنسي للمرأة المطلقة.
والموضوع العام الذي يدور حوله هذا المقال هو: ماذا لو اضطر الإنسان إلى تقييد أو منع نشاطه الجنسي؟
أما السؤال الخاص الذي نحاول الإجابة عليه، فهو عن الخيارات المتاحة والواقعية أمام المرأة التي تمنعها أخلاقها وقيمها الداخلية وقناعاتها، وكذلك طبيعة المجتمع وثقافته من الحصول على الإشباع العاطفي (الرومانسي) وتلبية الاحتياج الجنسي؟
وأود التأكيد في البداية على أن هذا الطرح ينأى بنفسه عن دائرة “المفروض” المغلقة، كفرض مفاهيم أو قواعد للسلوك، وينضم إلى ساحة الفهم والاقتراح، مع محاولة أن يكون واقعيًا، فآخر ما تحتاج إليه السيدة المطلقة هو فرض المزيد من القيود والرؤى المثالية.
الاحتياج الجنسي عند المرأة المطلقة
قبل أن نستعرض بعض الأمور التي تساعد على الاستعفاف، دعونا نستكشف أولًا طبيعة الاحتياج الجنسي والشهوة عند المطلقة.
أولًا: الاستجابة الجنسية للإنسان هي مزيج معقد من العوامل الاجتماعية والهرمونية والفسيولوجية والنفسية، كما يلعب المجتمع دوراً في ما يعتبر مقبولاً في الرغبة الجنسية والسلوكيات المترتبة عليها، فالمعتقدات الدينية والقيم الأسرية والتربية كلها تؤثر على موقف الفرد تجاه مشاعره الخاصة بالرغبة الجنسية.
وعلى الرغم من كون الدافع الجنسي من أقوى المحركات لدى الإنسان، إلا أنه يتعرض للصعود والهبوط وفقًا لعوامل خارجية وداخلية، مثل العمر والحالة النفسية والصحة العامة ونمط الحياة.[3]
وبناءً عليه فإن الحديث عن استعفاف المرأة المطلقة، وسيطرتها على الرغبة الجنسية، ليس إنكارًا ولا رفضًا لوجود الشهوة المركبة في الإنسان، ولا لأهمية الاحتياج العاطفي والجنسي، وإنما تأكيدًا على الإنسان يُمكنه دومًا التحكم في رغباته، وهناك حيلة دفاعية نفسية شهيرة وهي “الإعلاء والتسامي” والتي يقوم الفرد من خلالها بتحويل النزوات والرغبات الجنسية إلى أهداف اجتماعية وإنسانية عالية، وهناك نجاحات كبيرة في مجالات الفنون والعلوم والرياضة والعمل الخيري وغيرها نتجت عن تصريف طاقة المتعة إلى أهداف أخرى قيمة ومشبعة خارج دائرة الجنس.
ثانيًا: العديد من النساء ترتبط لديهن الرغبة الجنسية بالشعور بأنهن مرغوبات، فإذا لم تشعر المرأة بأنها مرغوبة غالبًا ما يفقد الجنس جاذبيته لديها.
وهذا يُمكننا من فهم جزء كبير من الاحتياج الجنسي للمرأة بعد الطلاق، فقد تكون المشاعر الجنسية فاترة لدى المرأة أثناء الزواج، ولكن بعد الطلاق تشعر بزيادة كبيرة في الرغبة الجنسية، وهذا أحد عوامل هذا التغير، فالمرأة بعد الطلاق قد يكون لديها شك حول جدارتها، واهتزاز في ثقتها بنفسها، وحتى إذا كانت هي من طلبت الطلاق وأصرت عليه فإن السؤال قد يُلح عليها بقوة حول مدى كفائتها الأنثوية، وخاصة إذا كان الطلاق موجعًا أو بسبب الخيانة، أو صاحبه اتهامات وعبارات تنقص من قدرها.
في ضوء هذه الحقيقة حول الرغبة الجنسية للمرأة، فإن تركيز المطلقة على تقدير الذات والشعور بأهميتها وأنها مرغوبة في علاقات صحية وأنشطة حياتية سيخفف من ضغط الرغبة الجنسية والتي هي في جزء منها سعي لتأكيد الذات والشعور بالاستحقاق.
ثالثًا: يرتبط الجنس لدى المرأة بالعاطفة بشكل وثيق، تهتم المرأة بالسياق الجنسي، فلا يمكنها – غالبًا- أن تشعر بالرغبة الجنسية إلا في إطار الأمان العاطفي، والجنس بالنسبة لها هو جانب من جوانب التعبير عن الحب، مثل الحديث أو المشاركة في نشاط ممتع، أو الشعور بالتقدير وتبادل الهدايا مع الزوج، فالجنس هو جزء من كل.[4]
لذا فإن السعي للإشباع العاطفي بمفهومه الواسع، وبناء علاقات صداقة ومحبة مع المحيطين، وتوجيه الحب للأبناء بشكل صحي، يساعد على تخفيف الرغبة الجنسية التي ترتبط بالاحتياج العاطفي.
رابعًا: هناك نوع من الرغبة الجنسية تحركه الانفعالات، ويحدث عندما يتعرض الشخص لقمع قوي لمشاعره، مثل: الغضب أو الخوف أو الحزن، والتي ستحاول الانفجار والظهور بطريقة غير مباشرة من خلال وسائل أخرى.
وأحد أكثر الطرق شيوعًا لإطلاق العواطف المكبوتة هي النشاط الجنسي، والذي لا يكون ممتعًا ولا مشبعًا جنسيًا بقدر ما يكون محاولة للتخلص من التوتر، وتفريغ الانفعالات.[5]
ولا شك أن الطلاق من الأحداث المؤسفة التي غالبًا ما تمر المرأة خلالها بانفعالات سلبية مختلفة، وكثيرًا ما تحاول إخفاء وإنكار المشاعر، لتتجنب الشماتة، أو حتى لا تُفهم بشكل خاطيء وكأنها حزينة على فراق زوجها السابق، بل تبالغ بعض النساء في الإنكار إلى حد إقامة حفلات طلاق، وعلى الرغم من أن الطلاق قد يكون خيارًا صائبًا، ولا تندم المرأة عليه، ولكنه يبقى نوع من الكسر، وتحتاج المشاعر الكثيرة والمتناقضة أحيانا المرتبطة بالطلاق إلى التعبير الواعي عنها، والسماح لها بالتحرر، وإلا شكلت خللًا نفسيًا وانفعاليًا قد يظهر كرغبة جنسية فائقة ونشاط جنسي غير معهود.
كيف تتعامل المرأة المطلقة مع الرغبة الجنسية؟
هذه بعض الخطوات العملية المقترحة للنساء المطلقات للتعامل مع الشهوة الجنسية:
- التعلق بالأمل وعدم المصادرة على النفس، فاليأس من أخطر الحالات النفسية التي تدفع الإنسان إلى فعل أمور لا يقتنع بها ولا تفيده.
- اليأس من العثور على الراحة العاطفية والإشباع الجنسي قد يزيد من إلحاح الرغبة الجنسية وليس العكس، فالممنوع مرغوب، والنفس إذا ضاقت حتى من الأمل ستتمرد بصور غير متوقعة.
- وليس المقصود بالأمل في حياة المطلقة أن تترك نفسها للخيالات، أو أن تتطلع لأي فرصة ولو لم تكن جيدة، وإنما ألا تصادر على نفسها، وألا تستسلم لمصادرات المجتمع.
- من الحكمة أن تُعطي المرأة لنفسها وقتًا كافيًا بعد الطلاق قبل الدخول في علاقة جديدة، أو الزواج مجددًا، ومن حقها أن ترفض فكرة الزواج حتى حين، وفقًا لرؤيتها وظروفها، ولكن المهم ألا تختنق في سجن من الأفكار المشوهة اليائسة، والتي كثيرًا ما تملأ حياة المطلقات، وتظهر في عبارات شهيرة، مثل: “لا يوجد حب حقيقي في هذه الحياة”، أو “كل الرجال سيئين”، أو “حياتي انتهت بعد الطلاق”.
- أو عبارات مجتمعية -حسنة النية- كثيرًا ما تنهال على المطلقات، مثل: “الله يعوضك في أولادك”.. وكأنه لا يمكن أن يأتيها العوض في صورة سعادة زوجية!
- الإشباع الروحي من أهم وأولى الطرق لتخفيف الرغبة الجنسية، والتغلب على ضغطها: وكما ذكرنا سابقًا فإن الاحتياج الجنسي لدى المرأة وثيق الصلة بالاحتياج العاطفي، لذا فإنه كلما كانت الحياة الروحية والعاطفية للمرأة نشيطة ومُشبعة كانت أقدر على التحكم في الشهوة. وجود صلة قوية بالله، من أكثر ما يُحصن النفس ويحميها من الهم واليأس والافتتان، تلك الصلة الحيّة والحقيقية التي تتمثل في الحب والمناجاة والصلاة الخفية والذكر، هي سياج من “الأنس” له طعم خاص لدى المرأة بعد كسر الطلاق.
- الإشباع العاطفي بمصادر متعددة، فالمرأة بحاجة إلى منح الحب واستقباله، والحب أكبر من أن يتقزم في علاقة رومانسية بين رجل وامرأة، وقد استطاعت الكثير من السيدات المطلقات تجاوز الأزمة العاطفية بتوسيع مفهوم الحب، وضربن أمثلة رائعة في الفيض على أسرهن وعائلاتهن بل ومجتمعاتهن من طاقات الخير والتعاطف، ويمثل العمل الخيري أهمية خاصة في حياة النساء بعد الطلاق، ويساعدهن على استرجاع الثقة والشعور بالأهمية والغاية.
- وجود صحبة جيدة متعاطفة حول المرأة بعد الطلاق عامل حاسم في تجاوز أزمة الطلاق، واعتدال الاحتياجات العاطفية والجنسية، فالصحبة الطيبة تساعد المطلقة على رؤية الحياة بشكل أوسع، والخروج من إلحاح فكرة أو نقص معين عليها مثل الاحتياج العاطفي أو الجنسي.
- الابتعاد عن المهيجات الرومانسية، من أغانٍ ودراما ومسلسلات غارقة في الحديث عن العشق، إلى روايات مشبعة بخيال رومانسي زائف، فهي في الحقيقة ليست تنفيسًا ولا بديلًا، وإنما حصار لعقل المرأة وهمتها في دائرة مفرغة من التعاسة، وإذا كان الإحباط يصيب النساء المتزوجات من فرط مشاهدة ومتابعة الدراما الرومانسية، فعلى المطلقة أن تكون أكثر انتقائية في اختياراتها. والمقترح هنا ليس أن تنغلق المطلقة عن المتابعة والاستمتاع بالفن، بالتأكيد لا، ولكن هناك وفرة في الفنون الممتعة والتي تقدم طرحًا اجتماعيًا حقيقيًا مسليًا ومفيدًا، ولا تنحصر في قصص العشق. وعمومًا فإن تركيز الإنسان على ما ينقصه يزيده شعورًا بالاحتياج، بخلاف تركيزه على نقاط قوته وما يملك.
- الصوم، فهو يقوي الإرادة والتحكم في النفس، وفي الحديث: “وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ“[7]
- ملء الفراغ بأشياء مهمة للمرأة، كممارسة الرياضة والتي تعمل على تنشيط هرمونات السعادة والحد من تقلب المزاج، واضطراب الهرمونات، أو تعلم شيء جديد، أو التطور في العمل، أو ممارسة هواية، فهذه كلها من أكثر الخطوات العملية التي تجعل المرأة بعد الطلاق متوازنة ولا تعاني من ضغط الشهوة الجنسية.
دراسة عن قدرة المرأة على التحكم بالرغبة الجنسية
في واحدة من أهم الدراسات المعاصرة لعلم الجنس توصل الباحثان في علم الأعصاب أوجي أوجاس وساي جادام؛ إلى نتائج هامة فيما يتعلق بالفرق بين الرغبة الجنسية عند الرجال والنساء[6]، منها:
- على الرغم من أن البشر عمومًا لديهم إشارات جنسية قوية، وأن الرجال والنساء يتشاركون الإحساس الجنسي، إلا أن دماغ المرأة يختلف عن دماغ الرجل فيما يتعلق بالجنس، فبينما تكفي إشارة جنسية واحدة لإثارة المخ الذكري، فإن دماغ المرأة يتطلب إشارات متعددة لكي تثار.
- الإثارة الجسدية تتحد مع الإثارة النفسية عند الرجل، بينما تتمع المرأة ببنية عصبية متطورة حيث تتقاطع الإشارات الجنسية الجسدية مع العقل الواعي، ويمكن للعقل أن يمنع الإثارة الجسدية.
- يعتبر الباحثان هذا التطور العصبي في أدمغة النساء وسيلة لحماية المرأة من مخاطر ممارسة الجنس المتهور، ولضمان أن الشخص الذي تمارس معه الجنس سيكون مناسبًا وقويًا وكريمًا وعطوفًا في إطار علاقة مستقرة طويلة الأجل.
- هذه القدرة العصبية وآلية الدفاع في عقل المرأة، يجب أن تستغلها المطلقة في التحكم في الميل الجنسي وتوجيهه، وفي التوقف والتدقيق قبل الدخول في علاقة جديدة.
نصائح حِلّوها للسيطرة على الشهوة عند المطلقة
تقول الخبيرة في موقع حلوها سراء الأنصاري ردًا على سيدة مطلقة من عام وتحتاج إلى العلاقة الجنسية: “هذا شيء طبيعي ولكن لا تجعليه همك الوحيد، وقد تسيئين الاختيار، لذا عليك بالعمل وإشغال نفسك بأمور أخرى، ولا تفكري كثيرا بهذه المواضيع حتى تشعري بالاتزان لتقرري بعدها هل من الممكن العودة لطليقك كحياة مشتركة وليس من أجل الجنس فربما تسرعتما بالطلاق، وتعرفي ما هي مواصفات الشخص الذي يناسبك، أي فكري بحل مشكلتك في الحياة ككل والمشكلة الجنسية ستحل من نفسها“.
وهناك نوعٌ آخر من معاناة المطلقات مع القضايا الجنسية، وهو اعتقاد بعض الرجال أن النسوة المطلقات أسهل من الفتيات أو السيدات المتزوجات؛ ما يجعلهم يتوقعون سلفاً أن رغبة المرأة المطلقة مستعدة دائماً لعلاقة جنسية مع رجل!
وهذه كانت معاناة إحدى السيدات في مجتمع حلوها والتي طلبت الاستشارة لأنها في كل مرة تصد بها رجلاً يتهمها بالاستعفاف الكاذب!
وأجابها مدرب الحياة في حِلّوها: ” ليس مشكلتكِ يا عزيزتي عدم تصديق الناس لكِ، كما أنَّ رأيهم غير مهم، المهم هو رأيكِ بنفسكِ واحترام ذاتكِ أنتِ اخترتِ المحافظة على نفسكِ والالتزام بدينكِ وهو أمر رائع“.
معنى الاستعفاف وأهميته
قال تعالى: “وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ” النور- 33.
جاء في البحر المحيط: “وليستعفف” أن يحتهد في العفة وصون النفس، وجاء في تفسير التحرير “السين والتاء للمبالغة في الفعل”. وصيغة استفعل هنا تفيد المبالغة في صفة العفة، والاجتهاد في تحقيقها وحمل النفس عليها وتكلفها. فقوة النفس الراغبة الطالبة تقابلها قوة معاكسة، وهي حمل النفس على العفة والصبر عليها.
والعفة: هيئة للقوة الشهوية متوسطة بين الفجور الذي هو إفراط هذه القوة، والخمود الذي هو تفريطها، فالعفيف: من يُباشر الأمور على وفق الشرع والمروءة.[6]
فالعفة ليس معناها إنكار أو قمع الشهوة، وإنما الصبر وإظهار القوة، والعفة بالإضافة إلى كونها فضيلة أخلاقية، وقيمة هامة، فإنها أيضًا سلوك فعال في صرف الطامعين ومرضي النفوس، والذين يحومون كثيرًا حول المرأة المطلقة ظنًا بأنها فريسة ضعيفة، وهنا تأتي العفة كما قال تعالى “يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف”.
وإذا كان الاستعفاف مطلبًا هامًا قبل الزواج، أو في حالة انتهاء الزواج، فإن الجميع بحاجة إلى الاستعفاف، ففي النفس ميل إلى الإسراف والتجريب، الرجل المتزوج لو لم يستعفف ستحيط به شهوته ولن يفيده الزواج، والمرأة المتزوجة لو لم تستعفف ستفقد قيمة حصن الزواج وتتردى، وهذا واقع مشهود في جميع الثقافات والبلدان، وبخاصة في ظل صناعة الإباحية العالمية.
وفي النهاية فإن الحياة لا تنتهي بسبب حدث ما مهما كانت الصعاب المحيطة به، والطلاق ليس نهاية وإنما بداية لحياة جديدة، وهناك الكثير من السيدات المطلقات اللاتي استطعن ضرب أروع الأمثلة على النجاح والسلام النفسي.